في لفتة لاستمرارية عطاء رواد الأدب عادت شخصية الأديب طاهر زمخشري (1913-1987) إلى الواجهة بوصفها من الرموز البارزة في المشهد السعودي والعربي حيث تنوعت مساهماته في مجالات الأدب والإعلام والموسيقى، ولم يقتصر تأثيره على عصره بل ما زالت أعماله تلهم وتثري الأجيال إلى يومنا هذا.
عمل زمخشري على إنشاء أول إذاعة سعودية في مكة المكرمة، وأدار برنامج “ركن الأطفال” الذي عرف لاحقا باسم “بابا طاهر”، كما أسّس أول مجلة سعودية وخليجية للأطفال بعنوان “الروضة” وساهم في تأسيس فرقة موسيقية للإذاعة، مما جعله شخصية رائدة في دمج الثقافة والترفيه في البيئة السعودية الناشئة.
ووفاء لقيمته وتأثيره، أعلنت وزارة الثقافة السعودية ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة قبل عامين، مسابقة في الإبداع الكتابي تحمل اسم “بابا طاهر” كواحدة من المبادرات الثقافية التي أُطلقت تكريما لسيرته ومسيرته.
هدفت المسابقة وفق موقعها المدشن إلى تعزيز الإبداع الأدبي “ودعم إنتاج محتواه المحلي للأطفال واليافعين. وتسليط الضوء على أجناس أدبية غير شائعة، وإبراز القيمة الأدبية والوطنية لطاهر زمخشري”، وذلك من خلال تشجيع الكتّاب على تقديم أبدع ما لديهم في الكتابة لهذه الفئات المستهدفة.
هذه الجهود المثابرة والمبادرات الرائدة أعادت زمخشري إلينا عبر قوالب متعددة منها هذه المسابقة التي تليق باسمه
بين نسختيها الأولى والثانية استقبلت مشاركات من مختلف الأجيال تناولت قضايا متعددة تناسب الفئات العمرية المستهدفة. وبفضل جوائزها المالية الكبرى، حفزت المسابقة الكتّاب الشباب منهم والمهتمين بهذا النوع الأدبي المهم وساعدت في النمو في مجال كتابة القصة والرواية القصيرة والقصص المصورة.
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها مسابقة “بابا طاهر” في نسختيها السابقتين، تبقى هناك تحديات تتعلق بضرورة استمرارية الدعم وتوسيع دائرة المشاركة لاستقطاب المزيد من المواهب الشابة، كما يتطلب الأمر أيضا إدارة مستدامة تعمل على تطوير المسابقة وتحديث معاييرها لتلبية احتياجات وتطلعات الثقافات المتغيرة.
بمرور أشهر على إعلان الفائزين في نسختها الثانية يشعر المتابع أن هذه المسابقة المهمة تتوارى حتى تاريخ فتح التقديم الى نسخة مقبلة، وكان من الأفضل أن تتنوع فعالياتها بتنوع ما قدمه زمخشري طوال مسيرته كإضافة المجال الإذاعي والفني ليفسح المجال أمام مواهب أخرى في مسارات إبداعية جديدة.
وفي جانب المشاركات الإبداعية التي لم تُرشح، من الممكن اختيار ما يوافق معايير وشروط المسابقة المحددة لتنمية مهارات المشاركين باعتبارهم العمود الفقري في أي مسابقة إبداعية وذلك عبر ترشيح أعداد منهم لدورات تطويرية تنمي مشاريعهم الكتابية ومشاركاتهم المستقبلية، فلا ينتهي دورهم بانتهاء الترشيح أو عدمه بعد إعلان الفائزين وتكريمهم، لأن معايير مسابقة كبيرة كهذه يجب ألا ترتبط بهؤلاء الكتّاب أثناء المسابقة فحسب بل يجب إعادة ربطهم بخبراء الكتابة في مجال حيوي كهذا المجال حتى يستمر بابا طاهر بيننا ويتحقق بذلك هدف الجائزة.
وحول رواج النصوص المرشحة وكتّابها وانتشارهم بين جمهور القراء في كلتا النسختين تتولد تساؤلات حول عدد النصوص التي نجمت عن هذه المسابقة، وكم نشر منها في الصحافة المحلية أو المواقع الإعلامية المؤثرة، وهل لا تزال لجان المسابقة على تواصلٍ مع المرشحين أم لا، وهل استطاعت الجائزة إعادة المهتمين بنظريات النقد الحديث الى تجربة زمخشري المتعددة المسارات؟
إن رسم مخطط أي جائزة وفي أي مجال معقد جدا، ولكي تستمر الأضواء حولها يجب أن تكون متصلة أولا بمن نسبت إليه، ثم لاحقا بالذين سيمثلونه ويعيدونه من جديد. وطاهر زمخشري سيظل بكل تأكيد حاضرا بسيرته ومسيرته الحافلة، ليس نتيجة لما بذله من جهود في خدمة الأدب السعودي والعربي فحسب وإنما نتيجة لمثل هذه الجهود المثابرة والمبادرات الرائدة في إعادته إلينا عبر قوالب متعددة منها هذه المسابقة التي تليق باسمه. وكم نتمنى أن تتسع دوائر هذه المسابقة لتشمل الناتج الثقافي والجماهيري والقرائي الفاحص للأساليب المتنوعة التي تسعى إلى مواصلة تجربته الثرية وتطبيقها على نماذج أخرى.